المقدمة: كان البشر منذ قديم الزمان يعيشون في جماعات مع بعضهم البعض وتجمعهم نشاطات ومصالح مختلفة، ومع تطور البشر أصبحت تجمعهم لغات وعادات وتقاليد وأديان مشتركة وهو ما جعل تلك الجماعات تأخذ شكلاً أكثر قوة وتنظيمًا لتُسمى أمم، وأصبحت كل أمة تسعى إلى التأكيد الدائم على تميزها واختلافها عن بقية الأمم وهو ما أدى بدوره إلى ظهور القومية التي تزرع في المرء كره كل ما هو مختلف وأجنبي عنه والنظر إلى بقية الأمم على أنهم أعداء لأمته. الخاتمة: إن الاهتمام المتزايد بدراسة القومية والأمم ونزعة البشر إلى الانقسام في جماعات مختلفة ومتميزة عن بعضها البعض، يعود في جزء كبير منه إلى النتائج الكارثية التي يمكن أن تصل إليها تلك الأيديولوجيا المسماة بالقومية؛ فقد قامت الحربان العالميتان الأولى والثانية نتيجة تناحر الأمم المختلفة فيما بينها وراح ضحيتها الملايين من البشر، ولازال العالم يمتلئ بالحركات الانفصالية والصراعات الإقليمية والحروب العرقية التي تحدث بين أمة وأخرى حيث ترغب كل منها بدافع القومية العمياء في التأكيد على تميزها وتفردها واستقلاليتها عن غيرها من كافة الأمم.
كوّن البشر مجتمعات وأمم منذ بداية التاريخ؛ حيث نجد في كتابات السومريين منذ 2500 عام قبل الميلاد تمييزًا لأنفسهم عن الأجانب، الأمر نفسه بالنسبة للمصريين القدماء خلال القرن السادس عشر الذين عملوا على تمييز أنفسهم عن كلٍ من الآسيويين الذين يعيشون شرق بلادهم والنوبيين الذين يعيشون في جنوبها، كما عملت بقية الحضارات كذلك على تمييز نفسها عن الأجانب حيث كانت الحضارة الصينية القديمة تُطلق عليهم اسم الـ "داي" أو الـ "الرون"، أما بني إسرائيل فكانوا يطلقون على الأمم الأخرى المختلفة عنهم لفظ "الغوييم" أي الأغيار، بينما نجد في الحضارة اليونانية فلاسفة كبار أمثال (أفلاطون) و(أرسطو) يقسمون البشر إلى يونانيين وبربر، ونجد أن نبرة الاحتقار التي كانت تحملها كلمة البربر ولازالت تحملها حتى يومنا هذا تدل على العداوة والاحتقار الذي كان يكنه اليونانيون إلى كل ما هو غير يوناني وأجنبي عن أمتهم.
لا توجد لحظة محددة تظهر عندها الأمة أو تخرج فيها إلى الوجود، فغالبًا ما يتم ذلك نتيجة تجمع وتضافر عوامل عديدة على فترات زمنية طويلة، من بينها وجود سلف مشترك بين مجموعة واحدة من الأفراد مثل انحدار الأمة الإنجليزية من مجتمعات (الساكسون) و(الأنجل) و(النورمان) اللاتي أصبحت سلفًا مشتركًا لكافة الإنجليز، أو وجود بعض الذكريات المشتركة في الماضي الخاص بهؤلاء الأفراد مثل ذكريات الخروج من (مصر) والشتات بالنسبة للأمة اليهودية، وقد تنتج الأمة أيضًا نتيجة مشاركة بعض الأفراد من خلال السلوكيات اليومية التي يقومون بها للعادات والتقاليد واللغة ذاتها، وهو ما يجعلهم يقتربون من بعضهم البعض ويندمجون معًا في تجمع واحد ليشكلّوا مجتمعًا وثقافة تميزهم عن أولئك الذين يختلفون عنهم ولا يشتركون معهم في تلك الثقافة.
وكي يدرك هؤلاء الأفراد تلك التقاليد والأشياء المشتركة فيما بينهم؛ لابد أن يجمعهم مكان أو إقليم مشترك وهو ما يأخذنا إلى عامل آخر يؤدي بدوره إلى ظهور الأمم ألا وهو الموقع المكاني، ومن أمثلة الأمم التي تشكلت بواسطة الأقاليم التي كانت تعيش فيها مجموعة الأفراد: (إنجلترا)، إنجليزي، (فرنسا)، فرنسي، (كردستان)، كردي ..إلخ، هناك أيضًا الدين وهو من أهم العوامل التي أدت إلى تشكل أمم كانت تتخطى كافة العوامل الأخرى كالمكان والثقافة واللغة؛ فالأمة الإسلامية وكذلك الأمة المسيحية على سبيل المثال تجمعان بين العديد من الأفراد من ثقافات ولغات وأماكن مختلفة تمامًا.
بالإضافة إلى ذلك، هناك الميلاد في إقليم معين، والذي يجعل المرء ينتمي إلى تلك الأمة التي يكونّها الإقليم بنفس الطريقة التي ينتمي بها المرء لأسرة معينة نتيجة ميلاده داخلها، وتؤدي تلك الأفكار حول النسب والقرابة داخل الأمة إلى تعزيز حب المرء لأمته وهو ما يطلق عليه الوطنية ولكن عندما تتحول تلك الوطنية إلى قومية يتخذ المرء حينها موقفًا عدائيًا ومتحيزًا تجاه أولئك الذين لا ينتمون لأمته، والقومية هي أيديولوجيا حديثة نسبية ظهرت في القرن التاسع عشر، وهي أيديولوجيا متعنتة لا تعرف الاختلاف أو الحوار أو الحلول الوسطى.
وتتخذ الأمة شكلاً أكثر تنظيمًا حين يصبح لها مؤسسات سياسية وقانونية تنظم حياة أفرادها داخل الإقليم الخاص بها، لكن ذلك لا يعني أن الإقليم أو الموقع المكاني هو شرط أساسي لظهور الأمم، فقد تواجدت الأمم في كثير من الأحيان على الرغم من غياب الدولة كما هو الحال بالنسبة لـ (كردستان) حيث ينقسم الأكراد بين (تركيا) و(العراق) دون أن تكون لهم دولة واحدة تجمع بين أفراد أمتهم، على الرغم من مساعيهم لإنشاء دولة قومية خاصة بهم، والحالة الوحيدة التي تجمع فيها الدولة العديد من الأمم المختلفة عن بعضها البعض تكون في حالة الإمبراطورية؛ حيث تقوم دولة أو أمة ما أكثر قوة بغزو الأمم الأضعف منها وضمها إليها عنوة لأغراض سياسية أو اقتصادية.
إن صلة القرابة التي يشعر بها أفراد الأمة تجاه بعضهم البعض تجعل هناك ثقة متبادلة عند التعامل فيما بينهم أو القيام بالتجارة وتبادل المنفعة. هكذا تتحول الأمة والقرابة المعنوية التي تصاحبها إلى شكل من أشكال العلاقة الاجتماعية التي تجمع بين أفرادها، لكن الأمة وتقاليدها -على الرغم من كونها علاقة بين الأفراد -فإنها مستمرة في الوجود حتى مع عدم استمرار الأفراد أنفسهم وموتهم أو فنائهم؛ حيث تنتقل تقاليدها عبر الأفراد ويجد الفرد نفسه منذ ولادته يتكيف مع تلك الثقافة والتقاليد، وحتى إذا لم تعد تقاليد أمة ما مقبولة فإن الأمة وتاريخها يستمران في الوجود من خلال الكتب والآثار والأعلام وتمثل الأمم الآشورية والحيثية القديمة أحد الأمثلة على ذلك.
من ناحية أخرى، فإن انتقال تقاليد الأمة بين أفرادها وتوارثها من جيل إلى جيل لا يعني بالضرورة أن تلك التقاليد تظل ثابتة وجامدة؛ فهي عرضة للتغيير والتعديل شيئًا فشيئًا بما يتوافق مع متطلبات العصر. وفي بعض الأحيان لا يتم هذا التغيير تدريجيًا، بل يتم جذريًا وذلك من خلال اندلاع الثورات، وتدخل حينها التقاليد في عملية أخرى ألا وهي "ابتكار" تقاليد جديدة لسلوكيات الأفراد داخل الأمة.
ونجد أنه بالإضافة إلى التقاليد، هناك القوانين المكتوبة التي تنظم حياة الأمم وسلوكياتها مثل القانون الكنسي على سبيل المثال الخاص بالأمة المسيحية، والذي ينظم العلاقة بين المؤمنين والرب، كذلك تم إصدار الميثاق الأعظم أو ما يُعرف بـِِ (الماجنا كارتا) والخاص بالأمة الإنجليزية والذي نتج عنه وجود حياة برلمانية وقضائية بها، ويعد القانون القومي تأكيدًا على العلاقة الاجتماعية التي تجمع بين أفراد محددين والتي تُسمي الأمة.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان